فصل: فصل أَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل أَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ

وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ‏}‏ مَعْطُوفًا على قَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ‏}‏ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَسَوَاءٌ كان زَوْجُهَا مُسْلِمًا أو كَافِرًا إلَّا الْمَسْبِيَّةَ التي هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ‏}‏ عَامٌّ في جَمِيعِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ اسْتَثْنَى تَعَالَى منها الْمَمْلُوكَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ وَالْمُرَادُ منها الْمَسْبِيَّاتُ اللَّاتِي سُبِينَ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ لِيَكُونَ الْمُسْتَثْنَى من جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى منه فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ نِكَاحِ كل ذَاتِ زَوْجٍ إلَّا التي سُبِيَتْ كَذَا روى عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال في هذه الْآيَةِ كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ إتْيَانُهَا زِنًا إلَّا ما سُبِيَتْ

وَالْمُرَادُ منه التي سُبِيَتْ وَحْدَهَا وَأُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ ثَبَتَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ عِنْدَنَا لَا بِنَفْسِ السَّبْيِ على ما نَذْكُرُ إن شاء الله تعالى‏.‏ وَصَارَتْ هِيَ في حُكْمِ الذِّمِّيَّةِ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ رَجُلَيْنِ على امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اشْتِبَاهَ النَّسَبِ وَتَضْيِيعَ الْوَلَدِ وَفَوَاتَ السَّكَنِ والإلفة وَالْمَوَدَّةِ فَيَفُوتُ ما وُضِعَ النِّكَاحُ له‏.‏

فصل أن لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ

وَمِنْهَا بأن لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حتى يَبْلُغَ الْكتاب أَجَلَهُ‏}‏ أَيْ ما كُتِبَ عليها من التَّرَبُّصِ وَلِأَنَّ بَعْضَ أَحْكَامِ النِّكَاحِ حَالَةَ الْعَدَمِ قَائِمٌ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا من وَجْهٍ وَالثَّابِتُ من وَجْهٍ كَالثَّابِتِ من كل وَجْهٍ في باب الْحُرُمَاتِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ في حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ خِطْبَتَهَا بِالنِّكَاحِ دُونَ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ فما لم تَجُزْ الْخِطْبَةُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كانت الْعِدَّةُ عن طَلَاقٍ أو عن وَفَاةٍ أو دُخُولٍ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ أو شُبْهَةِ نِكَاحٍ لِمَا ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ غَيْرُ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّهُ قال اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏ أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الْأَزْوَاجِ فَدَلَّ أنها حَقُّ الزَّوْجِ وَحَقُّ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ من التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ في حَقِّ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمَسْبِيَّةِ بِغَيْرِ السَّابِي إذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا دُونَ زَوْجِهَا وَأُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عليها لِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ وَالْمُرَادُ منه الْمَسْبِيَّاتُ اللَّاتِي هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْبِيَّةَ لِلْمَوْلَى السَّابِي إذْ الِاسْتِثْنَاءُ من التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ من حَيْثُ الظَّاهِرِ وقد أَحَلَّهَا عز وجل مُطْلَقًا من غَيْرِ شَرْطِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عليها وَكَذَلِكَ الْمُهَاجِرَةُ وَهِيَ الْمَرْأَةُ خَرَجَتْ إلَيْنَا من دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةً مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا عِدَّةَ عليها في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عليها الْعِدَّةُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أن الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارِ فَتَقَعُ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُسْلِمَةٌ وفي دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجِبُ عليها الْعِدَّةُ كَسَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ أَبَاحَ تَعَالَى نِكَاحَ الْمُهَاجِرَةِ مُطْلَقًا من غَيْرِ ذِكْرِ الْعِدَّةِ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ نهى اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عن الْإِمْسَاكِ وَالِامْتِنَاعِ عن نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ لِأَجْلِ عِصْمَةِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ وَحُرْمَتِهِ فَالِامْتِنَاعُ عن نِكَاحِهَا لِلْعِدَّةِ وَالْعِدَّةُ في حَقِّ الزَّوْجِ يَكُونُ إمْسَاكًا وَتَمَسُّكًا بِعِصْمَةِ زَوْجِهَا الْكَافِرِ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عنه وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ من حُقُوقِ الزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى لِلْحَرْبِيِّ على الْمُسْلِمَةِ الْخَارِجَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَقٌّ وَالدَّلِيلُ عليه أَنْ لَا عِدَّةَ على الْمَسْبِيَّةِ وَإِنْ كانت كَافِرَةً على الْحَقِيقَةِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ في حُكْمِ الذِّمِّيَّةِ تَجْرِي عليها أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَمَعَ ذلك يَنْقَطِعُ عنها حَقُّ الزَّوْجِ الْكَافِرِ فَالْمُهَاجِرَةُ الْمُسْلِمَةُ حَقِيقَةٌ لَأَنْ يَنْقَطِعَ عنها حَقُّ الزَّوْجِ الْكَافِرِ أَوْلَى هذا إذَا هَاجَرَتْ إلَيْنَا وَهِيَ حَائِلٌ فَأَمَّا إذَا كانت حَامِلًا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عن أبي حَنِيفَةَ وَسَنَذْكُرُهَا إن شاء الله تعالى‏.‏

فصل أَنْ لَا يَكُونَ بها حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ من الْغَيْرِ

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بها حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ من الْغَيْرِ فَإِنْ كان لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَإِنْ لم تَكُنْ مُعْتَدَّةً كَمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدِ إنْسَانٍ وَهِيَ حَامِلٌ من مَوْلَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ لم تَكُنْ مُعْتَدَّةً لِوُجُودِ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ ‏(‏في المولى‏)‏ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَمْلَ إذَا كان ثَابِتَ النَّسَبِ من الْغَيْرِ وَمَاؤُهُ مُحَرَّمٌ لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ من النِّكَاحِ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَامِلًا من الزِّنَا أَنَّهُ يَجُوزُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حتى تَضَعَ وقال أبو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وهو قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ هذا الْحَمْلَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَيَمْنَعُ الْعَقْدَ أَيْضًا كَالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من النِّكَاحِ هو حِلُّ الْوَطْءِ فإذا لم يَحِلَّ له وَطْؤُهَا لم يَكُنْ النِّكَاحُ مُفِيدًا فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لم يَجُزْ إذَا كان الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ كَذَا هذا وَلَهُمَا أَنَّ الْمَنْعَ من نِكَاحِ الْحَامِلِ حَمْلًا ثَابِتَ النَّسَبِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ قال النبي صلى الله عليه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فإذا لم يَكُنْ له حُرْمَةٌ لَا يُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ إلَّا أنها لَا تُوطَأُ حتى تَضَعَ لِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَرُوِيَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَا بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا على امْرَأَةٍ في طُهْرٍ وَاحِدٍ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ بِعَارِضٍ طارىء ‏[‏طارئ‏]‏ على الْمَحَلِّ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ لَا بَقَاءً وَلَا ابْتِدَاءً كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ إذَا كانت حَامِلًا فَعَنْ أبي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رَوَى مُحَمَّدٌ عنه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا وهو إحْدَى رِوَايَتَيْ أبي يُوسُفَ عنه وَعَنْ أبي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُوطَأُ حتى تَضَعَ وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ مَاءَ الْحَرْبِيِّ لَا حُرْمَةَ له فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّانِي وَذَا لَا يُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ كَذَا هذا إلَّا أنها لَا تُوطَأُ حتى تَضَعَ لِمَا رَوَيْنَا‏.‏

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هذا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ لِأَنَّ أَنْسَابَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثَابِتَةٌ فَيُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ كَسَائِرِ الْأَحْمَالِ الثَّابِتَةِ النَّسَبِ وَالطَّحَاوِيُّ اعْتَمَدَ رِوَايَةَ أبي يُوسُفَ وَالْكَرْخِيِّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عليها لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْحَامِلِ لَيْسَتْ لِمَكَانِ الْعِدَّةِ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهَا قد تَثْبُتُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِدَّةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا كانت حَامِلًا من مَوْلَاهَا بَلْ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْحَمْلِ كما في أُمِّ الْوَلَدِ وَالْحَمْلُ هَهُنَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَيُمْنَعُ النِّكَاحُ وَعَلَى هذا نِكَاحُ الْمَسْبِيَّةِ دُونَ الزَّوْجِ إذَا كانت حَامِلًا وَأُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا قبل الْوَضْعِ وَلَا قبل الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ إذَا كانت حَامِلًا وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال في سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حتى يَضَعْنَ وَلَا الحبالى ‏[‏الحيالى‏]‏ حتى يستبرأن ‏[‏يستبرئن‏]‏ بِحَيْضَةٍ‏.‏

فصل أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَيْنِ مِلَّةٌ يَقِرَّانِ عليها

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَيْنِ مِلَّةٌ يَقِرَّانِ عليها فَإِنْ لم يَكُنْ بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَصْلًا لَا بِمُسْلِمٍ وَلَا بِكَافِرٍ غَيْرِ مُرْتَدٍّ وَالْمُرْتَدُّ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَقِرُّ على الرِّدَّةِ بَلْ يُجْبَرُ على الْإِسْلَامِ إمَّا بِالْقَتْلِ إنْ كان رَجُلًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ إنْ كانت امْرَأَةً عِنْدَنَا إلَى أَنْ تَمُوتَ أو تُسْلِمَ فَكَانَتْ الرِّدَّةُ في مَعْنَى الْمَوْتِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا مُفْضِيًا إلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِلْكٌ مَعْصُومٌ وَلَا عِصْمَةَ مع الْمُرْتَدَّةِ وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْمُرْتَدِّ لَا يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ منه لِأَنَّهُ يُجْبَرُ على الْإِسْلَامِ على ما بَيَّنَّا فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ فَلَا يَجُوزُ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ الرِّدَّةَ لو اعْتَرَضَتْ على النِّكَاحِ رَفَعَتْهُ فإذا قَارَنَتْهُ تَمْنَعُهُ من الْوُجُودِ من طَرِيقِ الْأَوْلَى كَالرَّضَاعِ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ من الرَّفْعِ‏.‏

فصل أَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْرِكَةً إذَا كان الرَّجُلُ مُسْلِمًا

وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْرِكَةً إذَا كان الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْمُشْرِكَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ‏}‏ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْكتابيَّةَ لِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب من قَبْلِكُمْ‏}‏ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْكَافِرَةَ لِأَنَّ ازْدِوَاجَ الْكَافِرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَهَا مع قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لَا يَحْصُلُ السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ الذي هو قِوَامُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكتابيَّةِ لِرَجَاءِ إسْلَامِهَا لِأَنَّهَا آمَنَتْ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ في الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا نُقِضَتْ الْجُمْلَةُ بِالتَّفْصِيلِ بِنَاءً على أنها أُخْبِرَتْ عن الْأَمْرِ على خِلَافِ حَقِيقَتِهِ فَالظَّاهِرُ أنها مَتَى نُبِّهَتْ على حَقِيقَةِ الْأَمْرِ تَنَبَّهَتْ وَتَأْتِي بِالْإِيمَانِ على التَّفْصِيلِ على حَسَبِ ما كانت أَتَتْ بِهِ على الْجُمْلَةِ‏.‏

هذا هو الظَّاهِرُ من حَالِ التي بنى أَمْرُهَا على الدَّلِيلِ دُونَ الْهَوَى وَالطَّبْعِ وَالزَّوْجُ يَدْعُوهَا إلَى الْإِسْلَامِ وَيُنَبِّهُهَا على حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ في نِكَاحِ الْمُسْلِمِ إيَّاهَا رَجَاءُ إسْلَامِهَا فَجَوَّزَ نِكَاحَهَا لِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكَةِ فَإِنَّهَا في اخْتِيَارِهَا الشِّرْكَ ما ثَبَتَ أَمْرُهَا على الْحُجَّةِ بَلْ على التَّقْلِيدِ بِوُجُودِ الآباء عن ذلك من غَيْرِ أَنْ يَنْتَهِيَ ذلك الْخَبَرُ مِمَّنْ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاتِّبَاعُهُ وهو الرَّسُولُ فَالظَّاهِرُ أنها لَا تَنْظُرُ في الْحُجَّةِ وَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَةِ فَيَبْقَى ازْدِوَاجِ الْكَافِرِ مع قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ الْمَانِعَةِ عن السَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ وَالْمَوَدَّةِ خَالِيًا عن الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ فلم يَجُزْ إنْكَاحُهَا وَسَوَاءٌ كانت الْكتابيَّةُ حُرَّةً أو أَمَةً عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكتابيَّةِ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ‏.‏

واحتجوا ‏[‏واحتج‏]‏ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ‏}‏ وَالْكتابيَّةُ مُشْرِكَةٌ على الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ من يُشْرِكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى في الْأُلُوهِيَّةِ وَأَهْلُ الْكتاب كَذَلِكَ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابن اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابن اللَّهِ‏}‏ قالت ‏[‏وقالت‏]‏ النَّصَارَى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ‏}‏‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ‏}‏ فَعُمُومُ النَّصِّ يَقْتَضِي حُرْمَةَ نِكَاحِ جَمِيعِ الْمُشْرِكَاتِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ منه الْحَرَائِرَ من الْكتابيَّاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب من قَبْلِكُمْ‏}‏ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ فَبَقِيَتْ الْإِمَاءُ مِنْهُنَّ على ظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ في الْأَصْلِ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَلَنَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ نَحْوُ قَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ‏}‏ وَقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ‏}‏ وَغَيْرِ ذلك من غَيْرِ فصل بين الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْأَمَةِ الْكَافِرَةِ الْكتابيَّةِ إلَّا ما خُصَّ بِدَلِيلٍ وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ في غَيْرِ الْكتابيَّاتِ من الْمُشْرِكَاتِ لِأَنَّ أَهْلَ الْكتاب وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ على الْحَقِيقَةِ لَكِنْ هذا الِاسْمُ في مُتَعَارَفِ الناس يُطْلَقُ على الْمُشْرِكِينَ من غَيْرِ أَهْلِ الْكتاب قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْلِ الْكتاب وَلَا الْمُشْرِكِينَ‏}‏ وقال تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْلِ الْكتاب وَالْمُشْرِكِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏ فصل بين الْفَرِيقَيْنِ في الِاسْمِ على أَنَّ الْكتابيَّاتِ وَإِنْ دَخَلْنَ تَحْتَ عُمُومِ اسْمِ الْمُشْرِكَاتِ بِحُكْمِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنَّهُنَّ خُصِّصْنَ عن الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب من قَبْلِكُمْ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا الْكتابيَّاتُ إذَا كُنَّ عَفَائِفَ يستحقن ‏[‏يستحققن‏]‏ هذا الِاسْمَ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ في كَلَامِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عن الْمَنْعِ وَمَعْنَى الْمَنْعِ يَحْصُلُ بِالْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ كما يَحْصُلُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّ ذلك مَانِعُ الْمَرْأَةِ عن ارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَيَتَنَاوَلُهُنَّ عُمُومُ اسْمِ الْمُحْصَنَاتِ وَقَوْلُهُ الْأَصْلُ في نِكَاحِ الْإِمَاءِ الْفَسَادُ مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَصْلُ في النِّكَاحِ هو الْجَوَازُ حُرَّةً كانت الْمَنْكُوحَةُ أو أَمَةً مُسْلِمَةً أو كتابيَّةً لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مَصْلَحَةٍ وَالْأَصْلُ في الْمَصَالِحِ إطْلَاقُ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمَنْعُ عنه لِمَعْنًى في غَيْرِهِ على ما عُرِفَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا من أَهْلِ الْكتاب قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَهَذَا كتاب أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكتاب على طَائِفَتَيْنِ من قَبْلِنَا‏}‏ مَعْنَاهُ وَالله أعلم‏.‏ أَيْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكُمْ لِئَلَّا تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكتاب على طَائِفَتَيْنِ من قَبْلِنَا وَلَوْ كان الْمَجُوسُ من أَهْلِ الْكتاب لَكَانَ أَهْلُ الْكتاب ثَلَاثَ طَوَائِفَ فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ في خَبَرِهِ عز وجل وَذَلِكَ مُحَالٌ على أَنَّ هذا لو كان حِكَايَةً عن قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ دَلِيلًا على ما قُلْنَا لِأَنَّهُ حَكَى عَنْهُمْ الْقَوْلَ ولم يَعْقُبْهُ بِالْإِنْكَارِ عليهم وَالتَّكْذِيبِ إيَّاهُمْ وَالْحَكِيمُ إذَا حَكَى عن مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ‏.‏

وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكتاب غير أَنَّكُمْ لَيْسُوا نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ وَدَلَّ قَوْلُهُ سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكتاب على أَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الْكتاب وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَحِلَّ وَطْءُ كَافِرَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ إلَّا الكتابيات ‏[‏الكتابية‏]‏ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ‏}‏ وَاسْمُ النِّكَاحِ يَقَعُ على الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جميعا فَيُحَرَّمَانِ جميعا وَمَنْ كان أَحَدُ أَبَوَيْهِ كتابيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا كان حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ الْكتاب لِأَنَّهُ لو كان أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا يُعْطَى له حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى فَكَذَا إذَا كان كتابيًّا يُعْطَى له حُكْمُ أَهْلِ الْكتاب وَلِأَنَّ الْكتابيَّ له بَعْضُ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وهو الْمُنَاكَحَةُ وَجَوَازُ الذَّبِيحَةِ وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو بِنَفْسِهِ وَبِأَحْكَامِهِ وَلِأَنَّ رَجَاءَهُ الْإِسْلَامَ من الْكتابيِّ أَكْثَرُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ وَأَمَّا الصَّابِئَاتُ فَقَدْ قال أبو حَنِيفَةَ أنه يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهُنَّ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ‏.‏

وَقِيلَ ليس هذا بِاخْتِلَافٍ في الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ لِاشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ هُمْ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ بِكتاب فَإِنَّهُمْ يقرؤون ‏[‏يقرءون‏]‏ الزَّبُورَ وَلَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَكِنْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ في الِاسْتِقْبَالِ إلَيْهَا إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ غَيْرَهُمْ من أَهْلِ الْكتاب في بَعْضِ دِيَانَاتِهِمْ وَذَا لَا يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ كَالْيَهُودِ مع النَّصَارَى وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَعَابِدُ الْكَوَاكِبِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مُنَاكَحَاتُهُمْ‏.‏

فصل إسْلَام الرَّجُلِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً

وَمِنْهَا إسْلَامُ الرَّجُلِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حتى يُؤْمِنُوا‏}‏ وَلِأَنَّ في إنْكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ خَوْفَ وُقُوعِ الْمُؤْمِنَةِ في الْكُفْرِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْعُوهَا إلَى دِينِهِ وَالنِّسَاءُ في الْعَادَاتِ يَتْبَعْنَ الرِّجَالَ فِيمَا يؤثروا ‏[‏يؤثرون‏]‏ من الْأَفْعَالِ وَيُقَلِّدُونَهُمْ في الدِّينِ إلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ في آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلَى النَّارِ‏}‏ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفْرِ وَالدُّعَاءُ إلَى الْكُفْرِ دُعَاءٌ إلَى النَّارِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النَّارَ فَكَانَ نِكَاحُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ في الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ إلَى النَّارِ يَعُمُّ الْكَفَرَةَ أَجْمَعَ فَيَتَعَمَّمُ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُسْلِمَةِ الْكتابيَّ كما لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا الْوَثَنِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وَلَايَةَ الْكَافِرِينَ عن الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا‏}‏ فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْكَافِرِ الْمُؤْمِنَةَ لَثَبَتَ له عليها سَبِيلٌ وَهَذَا لَا يَجُوزُ‏.‏

وَأَمَّا أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَجَائِزٌ في الْجُمْلَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ أَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ في الْإِسْلَامِ شَرَائِطَ لَا يُرَاعُونَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَتَهُ وَلَوْ كانت أَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةً لم تَكُنْ امْرَأَتَهُ حَقِيقَةً وَلِأَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةُ آدَمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَهُمْ على شَرِيعَتِهِ في ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم وُلِدْت من نِكَاحٍ ولم أُولَدْ من سِفَاحٍ وَإِنْ كان أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وهو الطَّعْنُ في نَسَبِ كَثِيرٍ من الْأَنْبِيَاءِ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّ كَثِيرًا منهم وُلِدُوا من أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَالْمَذَاهِبُ تُمْتَحَنُ بِعُبَّادِهَا فلما أَفْضَى إلَى قَبِيحٍ عُرِفَ فَسَادُهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ شَرَائِعُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ ملة ‏[‏كملة‏]‏ وَاحِدَةٍ إذْ هو تَكْذِيبُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا فِيمَا أَنْزَلَ على رُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليهم وقال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏ وَاخْتِلَافُهُمْ في شَرَائِعِهِمْ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ كل فَرِيقٍ منهم فِيمَا بَيْنَهُمْ في بَعْضِ شَرَائِعِهِمْ وَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ نِكَاحِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كَذَا هذا‏.‏

فصل أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِلْكَ صَاحِبِهِ

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِلْكَ صَاحِبِهِ وَلَا يَنْتَقِصَ منه مِلْكَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِجَارِيَتِهِ وَلَا بِجَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَبْدَهَا وَلَا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ الْآيَةَ ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل الْوَطْءَ إلا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لِأَنَّ كلمة ‏[‏الكلمة‏]‏ تَتَنَاوَلُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِبَاحَةُ بِهِمَا جميعا وَلِأَنَّ لِلنِّكَاحِ حُقُوقًا تَثْبُتُ على الشَّرِكَةِ بين الزَّوْجَيْنِ منها مُطَالَبَةُ الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ بِالْوَطْءِ وَمُطَالَبَةُ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ بِالتَّمْكِينِ وَقِيَامُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ من الشَّرِكَةِ وإذا لم تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ في ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ لَا يُفِيدُ النِّكَاحُ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ الثَّابِتَةَ بِالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ على الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ وَلَا على الْحُرَّةِ لِعَبْدِهَا لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْوَلَايَةُ لِلْمَالِكِ وَكَوْنُ الْمَمْلُوكِ يُوَلَّى عليه وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْوَلَايَةِ للمملوك ‏[‏للملوك‏]‏ على الْمَالِكِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ في زَمَانٍ وَاحِدٍ وَالِيًا وَمُولَيًا عليه في شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مُحَالٌ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ من غَيْرِ مَهْرٍ عِنْدَنَا وَلَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى على عَبْدِهِ دَيْنٌ وَلَا لِلْعَبْدِ على مَوْلَاهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُدَبَّرَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَهُ فَكَذَا إذَا اعْتَرَضَ مِلْكُ الْيَمِينِ على نِكَاحٍ يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ أو شِقْصًا منه لِمَا نَذْكُرُ إن شاء الله تعالى‏.‏ في مَوْضِعِهِ‏.‏

فصل التَّأْبِيد

وَمِنْهَا التَّأْبِيدُ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ وهو نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ التَّمَتُّعِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وما يَقُومُ مَقَامَهُمَا

أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أُعْطِيكِ كَذَا على أَنْ أَتَمَتَّعَ مِنْكِ يَوْمًا أو شَهْرًا أو سَنَةً وَنَحْوَ ذلك وَأَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال بَعْضُ الناس هو جَائِزٌ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ وَالِاسْتِدْلَالُ بها من ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِمْتَاعَ ولم يذكر النِّكَاحَ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالتَّمَتُّعُ وَاحِدٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ وَحَقِيقَةُ الْإِجَارَةِ وَالْمُتْعَةِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ على مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَذَلِكَ يَكُونُ في عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمُتْعَةِ فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنَّمَا يَجِبُ في النِّكَاحِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيُؤْخَذُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ يُمَكَّنُ من الِاسْتِمْتَاعِ فَدَلَّتْ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ على جَوَازِ عَقْدِ الْمُتْعَةِ‏.‏

وَلَنَا الْكتاب وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكتاب الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ حَرَّمَ تَعَالَى الْجِمَاعَ إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ وَالْمُتْعَةُ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَيَبْقَى التَّحْرِيمُ وَالدَّلِيلُ على أنها لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ إنها تَرْتَفِعُ من غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا فُرْقَةٍ وَلَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا فَدَلَّ أنها لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ فلم تَكُنْ هِيَ زَوْجَةً له وقَوْله تَعَالَى في آخِرِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ‏}‏ سُمِّيَ مبتغى ما وَرَاءَ ذلك عَادِيًا فَدَلَّ على حُرْمَةِ الْوَطْءِ بِدُونِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ على الْبِغَاءِ‏}‏ وكان ذلك منهم إجارة ‏[‏إجازة‏]‏ الْإِمَاءِ نهى اللَّهُ عز وجل عن ذلك وَسَمَّاهُ بِغَاءً فَدَلَّ على الْحُرْمَةِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ يوم خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَعَنْ سبرة ‏[‏سمرة‏]‏ الْجُهَنِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ يوم فَتْحِ مَكَّةَ‏.‏

وَعَنْ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم خَيْبَرَ عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان قَائِمًا بين الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وهو يقول إنِّي كنت أَذِنْتُ لَكُمْ في الْمُتْعَةِ فَمَنْ كان عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيُفَارِقْهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيئا فإن اللَّهَ قد حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فإن الْأُمَّةَ بِأَسْرِهِمْ امْتَنَعُوا عن الْعَمَلِ بِالْمُتْعَةِ مع ظُهُورِ الْحَاجَةِ لهم إلَى ذلك وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ ما شُرِعَ لِاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ بَلْ لِأَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَيْهَا وَاقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْمُتْعَةِ لَا يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقَاصِدِ فَلَا يُشْرَعُ وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ‏}‏ أَيْ في النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ في أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا هو النِّكَاحُ فإن اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَجْنَاسًا من الْمُحَرَّمَاتِ في أَوَّلِ الْآيَةِ في النِّكَاحِ وَأَبَاحَ ما وَرَاءَهَا بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ‏}‏ أَيْ بِالنِّكَاحِ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مُحْصِنِينَ غير مُسَافِحِينَ‏}‏ أَيْ غير مُتَنَاكِحِينَ غير زَانِينَ وقال تَعَالَى في سِيَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ ذَكَرَ النِّكَاحَ لَا الْإِجَارَةَ وَالْمُتْعَةَ فَيُصْرَفُ قَوْله تَعَالَى فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ سَمَّى الْوَاجِبَ أَجْرًا فَنَعَمْ الْمَهْرُ في النِّكَاحِ يُسَمَّى أَجْرًا قال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ أَيْ مُهُورَهُنَّ وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم إنَّا أَحْلَلْنَا لك أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَوْلُهُ أَمَرَ تَعَالَى بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ وَالْمَهْرُ يَجِبُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ وَيُؤْخَذُ قبل الِاسْتِمْتَاعِ قُلْنَا قد قِيلَ في الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ كَأَنَّهُ تَعَالَى قال‏:‏ ‏{‏فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فريضة‏}‏ أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ تَطْلِيقَ النِّسَاءِ على أَنَّهُ إنْ كان الْمُرَادُ من الْآيَةِ الْإِجَارَةَ وَالْمُتْعَةَ فَقَدْ صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِمَا تَلَوْنَا من الْآيَاتِ وَرَوَيْنَا من الْأَحَادِيثِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ‏}‏ نَسَخَهُ قَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال الْمُتْعَةُ بِالنِّسَاءِ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا آيَةُ الطَّلَاقِ َالصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمَوَارِيثُ وَالْحُقُوقُ التي يَجِبُ فيها النِّكَاحُ أَيْ النِّكَاحُ هو الذي تَثْبُتُ بِهِ هذه الْأَشْيَاءُ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ منها بِالْمُتْعَةِ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَتَزَوَّجُكِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَ ذلك وَأَنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وقال زُفَرُ النِّكَاحُ جَائِزٌ وهو مُؤَبَّدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وروي الْحَسَنُ بن زِيَادٍ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال إذَا ذَكَرَا من الْمُدَّةِ ما يَعِيشَانِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَإِنْ ذَكَرَا من الْمُدَّةِ مِقْدَارَ ما لَا يَعِيشَانِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ في الْغَالِبِ يَجُوزُ النِّكَاحُ كَأَنَّهُمَا ذَكَرَا الْأَبَدَ

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ النِّكَاحَ وَشَرَطَ فيه شَرْطًا فَاسِدًا وَالنِّكَاحُ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَبَقِيَ النِّكَاحُ صَحِيحًا كما إذَا قال تَزَوَّجْتُك إلَى أَنْ أُطَلِّقَك إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ

وَلَنَا أَنَّهُ لو جَازَ هذا الْعَقْدُ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ مُؤَقَّتًا بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ مُؤَبَّدًا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ هذا مَعْنَى الْمُتْعَةِ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عنها بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْمُعْتَبَرُ في الْعُقُودِ مَعَانِيهَا لَا الْأَلْفَاظُ كَالْكَفَالَةِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ أنها حَوَالَةٌ مَعْنًى لِوُجُودِ الْحَوَالَةِ وأن لم يُوجَدْ لَفْظُهَا وَالْمُتْعَةُ مَنْسُوخَةٌ وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي لِأَنَّ فيه اسْتِحْقَاقَ الْبُضْعِ عليها من غَيْرِ رِضَاهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أتى بِالنِّكَاحِ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه شَرْطًا فَاسِدًا فَمَمْنُوعٌ بَلْ أتى بِنِكَاحٍ مُؤَقَّتٍ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَالْمُتْعَةُ مَنْسُوخَةٌ وَصَارَ هذا كَالنِّكَاحِ الْمُضَافِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَتَبْطُلُ الْإِضَافَةُ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ نِكَاحٌ مُضَافٌ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَذَا هذا بِخِلَافِ ما إذَا قال تَزَوَّجْتُك على أنه أُطَلِّقَك إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ هنك ‏[‏هناك‏]‏ أَبَّدَ النِّكَاحَ ثُمَّ شَرَطَ قَطْعَ التَّأْبِيدِ بِذِكْرِ الطَّلَاقِ في النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ لِأَنَّهُ على أَنَّ ‏(‏أَنْ‏)‏ كَلِمَةُ شَرْطٍ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَبَّدُ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

فصل الْمَهْر

وَمِنْهَا الْمَهْرُ فَلَا جَوَازَ لِلنِّكَاحِ بِدُونِ الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَالْكَلَامُ في هذا الشَّرْطِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ أَنَّ الْمَهْرَ هل هو شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ أَمْ لَا وفي بَيَانِ أَدْنَى الْمِقْدَارِ الذي يَصْلُحُ مَهْرًا وفي بَيَانِ ما يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وما لَا يَصِحُّ وَبَيَانِ حُكْمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا وفي بَيَانِ ما يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَكَيْفِيَّةِ وُجُوبِهِ وما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ من الْأَحْكَامِ وفي بَيَانِ ما يَتَأَكَّدُ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ وفي بَيَانِ ما يَسْقُطُ بِهِ الْكُلُّ وفي بَيَانِ ما يَسْقُطُ بِهِ النِّصْفُ وفي بَيَانِ حُكْمِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ في الْمَهْرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فيه قال أَصْحَابُنَا إنَّ الْمَهْرَ شَرْطُ جَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ وقال الشَّافِعِيُّ ليس بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ النِّكَاحُ بِدُونِ الْمَهْرِ حتى أن من تَزَوَّجَ امْرَأَةً ولم يُسَمِّ لها مَهْرًا بِأَنْ سَكَتَ عن ذِكْرِ الْمَهْرِ أو تَزَوَّجَهَا على أَنْ لَا مَهْرَ لها وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا حتى يَثْبُتَ لها وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَلَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قبل الدُّخُولِ يُؤْخَذُ مَهْرُ الْمِثْلِ من الزَّوْجِ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قبل الدُّخُولِ تَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ من تَرِكَتِهِ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْفَرْضِ على الزَّوْجِ أو بِالدُّخُولِ حتى لو دخل بها قبل الْفَرْضِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ بها وَقَبْلَ الْفَرْضِ لَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ‏.‏

وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ لَا يقضي بِشَيْءٍ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وفي قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يقضي لِوَرَثَتِهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا ويستوفي من تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ من غَيْرِ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَمَعَ نَفْيِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ رَفَعَ سُبْحَانَهُ الْجُنَاحَ عَمَّنْ طَلَّقَ في نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فيه وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَدَلَّ على جَوَازِ النِّكَاحِ بِلَا تَسْمِيَةٍ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ وَالْمُرَادُ منه الطَّلَاقُ في نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فيه بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ وَالْمُتْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ في نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فيه فَدَلَّ على جَوَازِ النِّكَاحِ من غَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَلِأَنَّهُ مَتَى قام الدَّلِيلُ على أَنَّهُ لَا جَوَازَ لِلنِّكَاحِ بِدُونِ الْمَهْرِ كان ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمَهْرِ ضَرُورَةً‏.‏

احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ سَمَّى الصَّدَاقَ نِحْلَةً وَالنِّحْلَةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ هِيَ الصِّلَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْمَهْرَ صِلَةٌ زَائِدَةٌ في باب النِّكَاحِ فَلَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ ازْدِوَاجٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا ينبى إلَّا عنه فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَحِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ تَحْقِيقًا لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ عليها نَوْعُ مالك ‏[‏ملك‏]‏ في مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورَةً تُحَقِّقُ الْمَقَاصِدَ وَلَا ضَرُورَةَ في إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَهْرِ لها عليه فَكَانَ الْمَهْرُ عُهْدَةً زَائِدَةً في حَقِّ الزَّوْجِ صِلَةً لها فَلَا يَصِيرُ عِوَضًا إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَالدَّلِيلُ على جَوَازِ النِّكَاحِ من غَيْرِ مَهْرٍ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ من عَبْدِهِ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ لو وَجَبَ عليه لَوَجَبَ لِلْمَوْلَى وَلَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى على عَبْدِهِ دَيْنٌ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً بِغَيْرِ مَهْرٍ جَازَ النِّكَاحُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَكَذَا إذَا مَاتَا في هذه الْمَسْأَلَةِ قبل الْفَرْضِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ‏.‏

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ‏}‏ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ أُحِلَّ ما وَرَاءَ ذلك بِشَرْطِ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ دَلَّ أَنَّهُ لَا جَوَازَ لِلنِّكَاحِ بِدُونِ الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْلَالُ بِشَرْطِ ابْتِغَاءِ الْمَالِ لَا يَنْفِي الْإِحْلَالَ بِدُونِ هذا الشَّرْطِ خُصُوصًا على أَصْلِكُمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِشَرْطٍ لَا يَنْفِي وُجُودَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ‏.‏

فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ في الْأَبْضَاعِ وَالنُّفُوسِ هو الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ تَثْبُتُ بهذا الشَّرْطِ فَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ تَبْقَى الْحُرْمَةُ على الْأَصْلِ لَا حُكْمًا لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فلم يَتَنَاقَضْ أَصْلُنَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِيَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَجُلًا كان يَخْتَلِفُ إلَيْهِ شَهْرًا يَسْأَلُهُ عن امْرَأَةٍ مَاتَ عنها زَوْجُهَا ولم يَكُنْ فَرَضَ لها شيئا وكان يَتَرَدَّدُ في الْجَوَابِ فلما تَمَّ الشَّهْرُ قال لِلسَّائِلِ لم أَجِدْ ذلك في كتاب اللَّهِ وَلَا فِيمَا سَمِعْتُهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَكِنْ اجتهد بِرَأْيِي فَإِنْ أَصَبْت فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأْت فَمِنْ أُمِّ عَبْدٍ‏.‏

وفي رواية‏:‏ فَإِنْ كان صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ كان خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ منه بَرِيئَانِ أَرَى لها مِثْلَ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ له مَعْقِلُ بن سِنَانٍ وقال إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيِّةِ مِثْلَ قَضَائِك هذا ثُمَّ قام أُنَاسٌ من أَشْجَعَ وَقَالُوا إنَّا نَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ فَفَرِحَ عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنه فَرَحًا لم يَفْرَحْ مثله في الْإِسْلَامِ لِمُوَافَقَةِ قَضَائِهِ قَضَاءَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لم يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَقَاصِدَ لَا حُصُولَ لها إلَّا بِالدَّوَامِ على النِّكَاحِ وَالْقَرَارِ عليه وَلَا يَدُومُ إلَّا بِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِمَا يَجْرِي بين الزَّوْجَيْنِ من الْأَسْباب التي تَحْمِلُ الزَّوْجَ على الطَّلَاقِ من الْوَحْشَةِ وَالْخُشُونَةِ فَلَوْ لم يَجِبْ الْمَهْرُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا يُبَالِي الزَّوْجُ عن إزَالَةِ هذا الْمِلْكِ بِأَدْنَى خُشُونَةٍ تَحْدُثُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ عليه إزَالَتُهُ لَمَّا لم يَخَفْ لُزُومَ الْمَهْرِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَقَاصِدُ الْمَطْلُوبَةُ من النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ وَمَقَاصِدَهُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ وَلَا تَحْصُلُ الْمُوَافَقَةُ إلَّا إذَا كانت الْمَرْأَةُ عَزِيزَةً مُكَرَّمَةً عِنْدَ الزَّوْجِ وَلَا عِزَّةَ إلَّا بِانْسِدَادِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَيْهَا إلَّا بِمَالٍ له خَطَرٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ ما ضَاقَ طَرِيقُ إصَابَتِهِ يَعِزُّ في الْأَعْيُنِ فَيَعِزُّ بِهِ إمْسَاكُهُ وما يَتَيَسَّرُ طَرِيقُ إصَابَتِهِ يَهُونُ في الْأَعْيُنِ فَيَهُونُ إمْسَاكُهُ وَمَتَى هَانَتْ في أَعْيُنِ الزَّوْجِ تَلْحَقُهَا الْوَحْشَةُ فَلَا تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ فَلَا تَحْصُلُ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ في جَانِبِهَا إمَّا في نَفْسِهَا وَإِمَّا في الْمُتْعَةِ وَأَحْكَامُ الْمِلْكِ في الْحُرَّةِ تُشْعِرُ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُقَابِلَهُ مَالٌ له خَطَرٌ لِيَنْجَبِرَ الذُّلُّ من حَيْثُ الْمَعْنَى‏.‏

وَالدَّلِيلُ على صِحَّةِ ما قُلْنَا وَفَسَادِ ما قال أنها إذَا طَلَبَتْ الْفَرْضَ من الزَّوْجِ يَجِبُ عليه الْفَرْضُ حتى لو امْتَنَعَ فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ على ذلك وَلَوْ لم يَفْعَلْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ في الْفَرْضِ وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ قبل الْفَرْضِ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَقْدِيرٌ وَمِنْ الْمُحَالِ وُجُوبُ تَقْدِيرِ ما ليس بِوَاجِبٍ وَكَذَا لها أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا حتى يُفْرَضَ لها الْمَهْرُ وَيُسَلَّمَ اليها بَعْدَ الْفَرْضِ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنِّحْلَةُ كما تُذْكَرُ بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ تُذْكَرُ بِمَعْنَى الدِّينِ يُقَالُ ما نِحْلَتُك أَيْ ما دِينُكَ فَكَانَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ أَيْ دِينًا أَيْ انْتَحِلُوا ذلك وَعَلَى هذا كانت الْآيَةُ حُجَّةً عليه لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْمَهْرِ في النِّكَاحِ دِينًا فَيَقَعُ الاحتمال في الْمُرَادِ بِالْآيَةِ فَلَا تَكُونُ حُجَّةً مع الاحتمال وَأَمَّا قَوْلُهُ النِّكَاحُ ينبىء عن الِازْدِوَاجِ فَقَطْ فَنَعَمْ لَكِنَّهُ شُرِعَ لِمَصَالِحَ لَا تَصْلُح إلَّا بِالْمَهْرِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا ينبىء عن الْمِلْكِ أَيْضًا لَكِنْ لَمَّا كان مَصَالِحُ النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ ثَبَتَ تَحْصِيلًا لِلْمَصَالِحِ كَذَا الْمَهْرُ وَأَمَّا الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ من عَبْدِهِ فَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ ثُمَّ يَسْقُطُ وَفَائِدَةُ الْوُجُوبِ هو جَوَازُ النِّكَاحِ

وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً من غَيْرِ مَهْرٍ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَيَجِبُ أَيْضًا إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لهم لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ ذلك وقد أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وما يَدِينُونَ حتى أنهما لو تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَرَضَ الْقَاضِي لها الْمَهْرَ وَكَذَا إذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ يقضي بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ إنَّمَا لَا يقضي لِوُجُودِ الِاسْتِيفَاءِ دَلَالَةً لِأَنَّ مَوْتَهُمَا مَعًا في زَمَانٍ وَاحِدٍ نَادِرٌ وَإِنَّمَا الْغَالِبُ مَوْتُهُمَا على التَّعَاقُبِ فإذا لم تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ دَلَّ ذلك على الِاسْتِيفَاءِ أو على اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَالْإِبْرَاءِ عن الْبَعْضِ مع ما أَنَّهُ قد قِيلَ أن قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ على ما إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ حتى لم يَبْقَ من نِسَائِهَا من يُعْتَبَرُ بِهِ مَهْرُ مِثْلِهَا كَذَا ذَكَرَهُ أبو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وأبو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَعِنْدَ ذلك يَتَعَذَّرُ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَى هذا أَشَارَ مُحَمَّدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لو أَنَّ وَرَثَةَ عَلِيٍّ ادَّعَوْا على وَرَثَةِ عُمَرَ مَهْرَ أُمِّ كُلْثُومَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَكُنْتُ أَقْضِي بِهِ وَهَذَا المنع ‏[‏المعنى‏]‏ لم يُوجَدْ في مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ‏.‏